نشأته الثقافية
لم يكن في قرية تغزوت، خلال النصف الأول من القرن الماضي إلا كتاب قرآني واحد تابع للمسجد، يقوم فيه الإمام (الفقيه) نفسه بتحفيظ القرآن الكريم لصغار القرية. أما المدرسة الابتدائية، التي توجد حاليا في "ثانوث" ، فلم تنشأ إلا في سنة 1952، في حين أن المدرسة الإعدادية، الموجودة حاليا في مركز القبيلة بَنْطَيّب (يبعد عن القرية بحوالي خمسة كيلترات)، فلم تظهر إلا مؤخرا، أي في بداية هذا القرن.
التحق إذن، منذ صغره، مثل سائر إخوانه، بكتاب القرية ليتعلم مبادئ القراءة والكتابة، وليحفظ القرآن الكريم، حيث أتم "السلكة" الأولى في وقت وجيز، وأتبعها بالثانية والثالثة والرابعة و... حتى تمكن من حفظ القرآن واستظهاره عن ظهر قلب. فقد ظهر عليه منذ الصغر ميله الشديد إلى المعرفة وشغفه الكبير بالإطلاع على كل ما يجري حوله، وقد شهد له كل فقهاء الكتاب الذين تتلمذ عليهم، وكذا رفاقه الذين درسوا معه بالذكاء والاجتهاد وسرعة حفظ النصوص، مما جعل أباه يبعث به إلى قرية "ثانوث الرمان"، من قبيلة بني سيدال إحدى قبائل قَلْعِيّة التابعة لإقليم الناظور، ليتلقى هناك مبادئ العلوم على شيخ الجماعة آنذاك الفقيه الحاج علال التنوتي.
ثم قصد بعد ذلك، قبل شقيقيه أحمد وعبد السلام، العاصمة العلمية - فاس- حيث درس في جامعة القرويين علي يد شيوخها علوما موسعة تتعلق باللغة والنحو والأدب والفقه والحساب وغيرها. ويروي عنه زملاؤه أنه كان يقضي أكثر من نصف الليل في المطالعة والتحصيل، ولا يخلد إلى النوم حتى ينفذ كل ما يكون لديه من الشمع الذي يستضيء به.
مكث في فاس بضعة سنوات مواظبا على الحضور إلى جامعة القرويين، ملتزما بالاستماع إلى كل الدروس التي كان يقدمها شيوخ الجامعة، متنقلا من درس هذا الشيخ إلى درس الشيخ الآخر، مستوعبا ومشاركا في كل ما كان يلقى في حلقات الدروس، حتى برز بين الطلاب، وأثنى عليه شيوخه، وأجازوه. ومن االسادة العلماء الذين درس عليهم: الطائع بن الحاج، الزرهوني، بوشتى، شعيب الدكالي، عبدالعزيز بن الخياط، الطيب بنكيران، بنسودة، وغيرهم...
عندئذ عاد إلى مسقط رأسه عازما على إفادة الناس وإشراكهم فيما حصل عليه من علم نافع، فاختار المسجد لهذه الغاية، و"اشترط" في أحد مساجد القبيلة للنهوض بهذه المهمة، حتى ذاع صيته، وعلمت به الحكومة الخليفية بشمال المغرب، فعينته قاضيا على قبيلتي بني وْليشْك وتَفَرْسيتْ.